الزمن المفقود
انطلق صوت موسيقى عزب من الساعة الكبيرة المعلقة على الحائط معلنة تمام الساعة الثانية صباحا فى اليوم السادس من شهر فبراير لعام 2009 ومعها استيقظ ذلك النائم كان يبدو انه استيقظ من حلم جميل لكنه قام على مضض وذهب الى الثلاجة الموجودة فى اخر الغرفة وتناول منها زجاجة الماء وهو مغمض العينين لا يقدر على فتحها
وبالرغم من الحالة المذرية التى كان عليها الا انك تستطيع ان تستنبط انه يتمتع بقدر من الوسامة لا بأس به !!!!
فجأة قطع السكوت صوت ضجيج عالى خارج غرفة النوم اصابه بالفزع واجبر عينيه المثقلتين بالنوم على الاستيقاظ وخفقت دقات قلبه بشدة نتيجة لاندفاع الادرنالين الى المخ واسرع بفتح باب غرفته كان يتوقع ان يجد الصالة امامه مباشرة ولكنه بدلا من ذلك وجد الفراغ ووجد نفسه يسقط من ارتفاع عالى و اخذ يصرخ
ويصرخ........
ويصرخ.......
انتفض رامى من نومه فزعا واخذ ينظر بذعر حوله كان يتوقع ان يكون قد فارق الحياة نتيجة لتلك السقطة المخيفة الا انه وجد نفسه على فراشه وصوت موسيقى هادئ يتسرب من باب الحجرة المجاورة له وفى ثوانى ادرك انه امام كابوس مخيف يهاجمه كما جرت العادة فى الاونة الاخيرة حقيقة لا يعرف سبب لتلك الكوابيس لكنه لا يهتم وسرعان ما استعاد نشاطه وانتبه الى ان الساعة قد قاربت على السابعة صباحا فاسرع بأرتداء ملابسه حتى لا يتأخر على ميعاد المحاضرة الاولى المحدد لها التاسعة صباحا كان يعلم بمدى صعوبة الطريق صباحا الى جامعته وخرج من غرفته ووجد ان نسرين قد اعدت مائدة الافطار وجلست منتظره ان يأكلا سويا
نسرين على قدر كبير من الجمال و تتمتع بروح جميلة وعقل واسع وكبير وناضج على الرغم ما انها لم تتم الثامنة عشر بعد ... كان يشعر بالقلق حيالها فهى اخته الوحيدة وهو العائل الوحيد لها بعد تلك الحادثة الكبيرة التى رحل فيها والدهم ووالدتهم الى السماء وبالرغم من سنون رامى العشرين الا انه كان يشعر تجاهها انه تخطى الخمسون من عمره فكان يرعاها كوالدها وليس كأخيها
وعلى الناحية الاخرى كانت نسرين تشعر بنفس الشعور تجاه اخيها رامى فكانت ترعاه وتهتم بكل كبيرة وصغيرة تعد له الطعام وتهتم بغسيل ملابسه فهى تعرف انه لا يجيد هذه الامور على الاطلاق
وبالرغم من انهم لم يتحدثا كثيرا الا ان كل منهم يعرف ما يقوم به الاخر تجاهه
تناولا طعامهم سريعا وخرجا سويا لطريقهم المعتاد اليومى وركبا السيارة سويا 0000
كانت من تلك السيارات التى تشعر عندما تراها بالفخامة و ان من يقودها لابد وانه واسع الثراء وبالفعل فهذه السيارة ملك لوالدهم الراحل الذى ترك لرامى ونسرين ثروة لا بأس بها
اوصل رامى اخته الى مدرستها انها فى السنة الاخيرة من الثانوية العامة واكمل فى طريقه الى كليته حيث انه فى السنة الثالثة من كلية الهندسة و فى الطريق سرح بخياله يفكر فيما حدث فمنذ شهرين كانت كل الامور طبيعية وكان يعيش فى سعادة تامة مع اخته و ابيه و امه وكان الكل يحسدهم على الترابط الجميل فيما بينهم
حتى ذلك اليوم عندما جاء اليه والده السيد منير قائلا :-
_ رامى استعد يوم الخميس القادم هنطلع رحلة مع اسرة المعوقين فى الكنيسة هنروح بيت جميل فى ابو تلات هنقعد خميس وجمعة وسبت و هنيجى الاحد
هز رامى رأسه بالموافقة بالرغم من انقباضة شعر بها فى قلبه الا انه كان لا يقدر ابدا ان لا يلبى نداء هذه الاسرة وتذكر كم كان لا يحب الذهاب اليها و لكن بنعة الله و صبر وجهد ابيه وامه واخته الصغيرة احبها رويدا رويدا حتى اصبح لا يفوت ميعاد الخدمة فى هذه الاسرة ابدا ........
وفى يوم الخميس اعدت السيدة نجوى والدة رامى ونسرين الشنط وذهبت لايقاظهم صباحا
كانت السيدة نجوى مثالا لحياة الملائكة على الارض فى الهدوء و الوداعة لا تكل و لا تمل من الخدمة سواء كان خدمة اهل بيتها او خدمتها فى الكنيسة وقتها دائما مشغول وكانت لا تستريح ابدا
استيقظ رامى على مضض وهو مندهش من تلك الانقباضة!!!
هذه ليست اول رحلة يذهب اليها لقد ذهب كثيرا من قبل ولكن لماذا هذه المرة وتمكنت منه الافكار فصارح والدته
_ ماما انا مش عارف المرة دى انا مش عايز اروح ليه وحاسس ان فيه حاجة وحشة هتحصل
ضحكت السيدة نجوى ولم تناقشه كثيرا وقالت له
- لا يوجد وقت بسرعة وكفاية كسل الاتوبيس بتاع الاسرة هيفوتنا وتفوتنا البركة الكبيرة وانت
يا رامى يعنى ايه معوقين دول يعتبروا المسيح على الارض
هز رامى رأسه بالموافقة واسرع بأرتداء ملابسه وخرج الى الصالة فوجد الكل سعيدا وهناك حالة من الطاقة الايجابية مسيطرة على الجميع فانتقلت اليه عدوى هذه الطاقة ونفض الافكار وخرج الجميع فى اتجاههم الى السيارة ومنها الى الكنيسة حيث قام رامى بتوصيل والديه واخته وذهب ليجلب بعض المعاقين من منازلهم الى اتوبيس الرحلة وبعد قليل امتلأت السيارة عن اخرها بالخدام و المخدومين وانطلقت فى طريقها الى ابو تلات فى الاسكندرية
كان البيت جميل مكون من اربعة طوابق تطل الغرف كلها على البحر مباشرة وبه ملاعب كرة وبركة سباحة كبيرة بيت متكامل صراحة وتم حجزه للاسرة بالكامل
مرت الايام الاولى بسعادة كان كل شىء جميل و مثالى من ضحك ولعب ومسابقات وصلاة وازداد فيها ارتباط رامى بالاسرة ومن فيها حتى جاء ذلك اليوم الذى استيقظ فيه الجميع على صراخ رهيب فقد شب حريق كبير فى الدور الاخير ودون ان يفكر الجميع اسرعوا بمعاونة المخدومين وفى غضون دقائق كان الجميع على الشاطئ وكانت النيران قد قاربت على التهام المنزل بالكامل
اطمأن رامى على والديه واخته وراح الجميع يتمم على باق الاسرة وفجاة اطل من الدور الاخير سيدة معاقة تصرخ بشدة وجاهدت حتى وصلت الى احدى الشرفات و اخذت تستغيث بأحد لكى ينجدها كان منظر النيران مخيف جدا ولم يستطع احد التفكير فى الاقتراب من شدة هول النيران و المفاجاة
كان صراخ السيدة مستمر فأسرع السيد منير والد رامى محاولا الدانا قليل الاداب يا مستر اطردنى لانقاذها فأمسك به رامى محاولا ان يمنعه فنهره بشدة وهرول الى داخل المنزل وتبعته السيدة نجوى دون تفكير
ووقف رامى واخته نسرين مذهولين من الاحداث الجارية واخذا يترقبا نزول والدهم ووالدتهم
ولكن الانتظار طال
وطال
وطال .......
بحق كانت جنازة مهيبة حضرها العديد من الاساقفة و الاباء الكهنة وحضرها البطريرك بنفسه وصلى على النعوش الثلاثة ولكن رامى لم يحضر الجنازة لم يحضر العزاء لم يكن اى احد يعرف ما اصابه حتى ان الجميع اصابهم القلق الشديد عليه الا اخته فهى الوحيدة التى تعرف ان رامى بخير ويمكث فى قبو المنزل ويرفض مقابلة اية احد وكانت اخته تتفهم فلكل منا طريقته فى الحزن وفى تقبل الامر
استمر هذا الوضع قرابة الشهر حتى خرج رامى الى الحياة مرة اخرى ولكن العديد من المفاهيم قد تغيرت خلاصتها انه يكره الجميع دون استثناء ماعدا اخته
يكره الكنيسة ويكره الخدمة ويكره ابيه وامه اللذان تركاه وحده فى هذه الحياة وعهد الى نفسه ان لا يذهب الى الكنيسة مرة اخرى ويقطع كل صلته بها من حضور وصلاة وانجيل فكيف يقول المسيح كل ما فعلتموه بهولاء الصغار بى قد فعلتم وبعد كل هذه الخدمة يموت ابيه وامه محترقين
ثم الم يفكر ابيه للحظة واحدة فيهم ؟؟؟ الم يرى منظر النيران ؟؟؟ الم يعلم ان احتمالية نجاته لا تزيد عن عشرة بالمائة ؟؟؟
ذهب وتركه وحيدا الى الابد خلاصة الامر انه يكره الجميع ولا يذهب الى الكنيسة ولن يذهب مادام حيا وباختصار شديد اصبح رامى يرى ان الله غير موجود
وكم احزنه هذا .....
انطلق نفير احدى السيارات بصوت عالى محاولة ان تتخطى سيارة رامى مما جعله يستيقظ من افكاره ومسح فى سرعة دمعتين على وجنتيه لم يشعر بهم من قبل
وصل رامى الى الجامعة ونزل من السيارة بأتجاه الكلية مباشرة ومنها الى قاعة المحاضرات لم يلتفت الى احد ولم يوجه التحية لاصدقائه ولم يرد على تحية ايا منهم ووقف اصدقائه فى حيرة يتهامسون
نرمين :- انا مش عارفة اخرتها ايه مع رامى انا بكسف كل ما اجى اسلم عليه مايردش
تامر :- انا شايف انه مزودها
رانيا :_ ايه انت وهى انت عارف يعنى ايه ابوك وامك يموتوا محروقين قصادك
امير :- يا جماعة لازم نستحمل لغاية ما ربنا يهديه وينسيه احنا نبقى فعلا مش اصحاب لو يئسنا منه وسيبناه
نرمين :_ يعنى نعمل ايه عدى شهرين على الحادثة وهو معانا من سئ الى اسوأ
رانيا :- بس صليله لو فعلا يهمك مش مطلوب منك اكتر من كدة
وسكت الجميع وذهبوا الى قاعة المحاضرات ولم يحاولوا ان يتحدثوا معه بأستثناء رانيا التى جلست بجواره ... لم تكلمه واحترمت صمته و ارادت بجلوسها بجواره ان تشعره ان اصدقائه مازالوا بجانبه حتى ولو لم يتحدثا ............
اليوم الاول لنسرين فى الترم الثانى فى المدرسة كان صعبا عليها فقد اعتادت ان توقظها امها كل يوم دراسى تعد لها السندوتيشات وتكوى لها ملابسها واحيانا تحضر لها شنطتها المدرسية
صعبا عليها ان يتغير كل هذا مرة واحدة ولكنها على يقين انهم بمكان افضل سعيدين وكل ما يهمها هو سعادة والديها وهى على ثقة ان المسيح اعد لهم مكان جميل جدا
لم ترى هذا المكان
لكنها كانت تؤمن
وهو ما اثر على نفسيتها بالهدوء و السكينة
نسرين تجلس دائما فى الصف الاول وبجوارها دينا صديقتها ولكن مع دانا قليل الاداب يا مستر اطردنىها الفصل فؤجت بوجود زميلة جديدة لها وان دينا انتقلت من فصل الى اخر
اصابتها الدهشة لكنها لم تعلق واخذت تختلس النظرات الى تلك الزميلة الجديدة
كانت نسرين جميلة ولكن تلك الفتاة بملامحها الغربية فاتنة بحق وملامح وجهها من النوع البرئ جدا ولكن نسرين شعرت ان عمرها اكبر من ان تكون بالثانوية العامة فبالرغم من طريقة تصفيف شعرها الا انها تبدوا اكبر من سنها
لم تحاول تلك الزميلة الجديدة الحديث مع نسرين ولم تلتفت اليها عندما جلست نسرين بجانبها مما اثار حفيظتها ولم تحاول هى الاخرى ان تتحدث معها الى ان انتهى اليوم الدراسى
وخرجت نسرين من المدرسة ووجدت ان رامى فى سيارته منتظر خروجها فاندهشت قائلة :-
- رامى ايه اللى جابك انت مش لسة عندك محاضرات ؟
- مش مهم انا سيبت المحاضرة الاخيرة علشان اوصلك
- ازاى يا رامى انت عارف انك فى كلية عملية وكل محاضرة بتغيبها هتأثر عليك00 وانا مش هتعب هركب الباص بتاع المدرسة وهو بيوصلنى لغاية البيت
- انتى عارفة ان احنا ساكنيين فى الرحاب و الاتوبيس هيمشى فى الطريق السريع وانا مش مستحمل اى حادثة تحصل تانى .... انتهت المناقشة يا نسرين كل يوم هوصلك واجيبك
لم تنطق نسرين باى كلمة متسائلة فى اعماقها عما اصاب اخيها والى اين سينتهى
وصل الاثنان الى المنزل واعدت نسرين الغذاء لاخيها وجلسا يتناولا الطعام دون ان يحاول ايا منهم ان يتحدث مع الاخر ولكن نسرين قطعت الصمت وقالت له :_
- يا رامى انا زهقانة ماتيجى نخرج النهاردة
- رامى مليش نفس اروح اى مكان
- مش هنروح بعيد تعال نروح المول اهو نتمشى فيه وبعدين نتعشى فى اى مطعم
- انا مش عايز بس لو انتى فعلا زهقانة انا ممكن اروح علشان خاطرك
تهللت اسارير نسرين فهذه اول مرة يخرجا معا فى نزهة منذ وفاة والديهم وصلت فى اعماقها ان تكون هذه بداية مبشرة لكى يرجع رامى الى ما كان عليه من قبل
وبالفعل فى تمام الساعة الثامنة مساءا انطلقا سويا الى المول التجارى الذى يقبع فى وسط مدينة الرحاب
كانت هذه هى المرة الاولى التى يدخل فيها رامى المول منذ وفاة والديه بالرغم من انه كان يقضى فيه قبل ذلك كل وقته هو واصدقائه حتى صار معروفا محبوبا لدى الجميع من اصحاب المحال ورواده ومشرفين الامن الكل يعرف رامى ويحبه وهو بطبعه ودود يرحب ويصادق الجميع
وما ان دخل المول التجارى حتى اسرع مشرفين الامن بأحتضانه و اصحاب المحلات صمم كل منهم ان يجلس رامى عندهم قليلا
اما نسرين فكانت غاية فى السعادة فهى قصدت بذلك ان تعيد رامى الى الحياة الاجتماعية ورويدا رويدا الى الكنيسة
ومرت الساعات فى المول كالثوانى وانتهى اليوم وعاد رامى مع نسرين الى المنزل
وفى المنزل حاولت نسرين ان تقنع رامى ان يصلى معها ولكنه رفض واستهزأ بها
- تصلى لمين لو كان اللى بتصليله موجود مكنوش اتحرقوا
سكتت نسرين وانسابت دمعة على وجهها لكنها لم تضغط على رامى ولم تيأس بل اخذت تصلى له بحرارة وعمق ثم نامت
فى اليوم التالى كالمعتاد اوصل رامى نسرين الى المدرسة ثم انطلق الى الجامعة
دخلت نسرين الى الفصل وجلست بجوار زميلتها الجديدة وفى اعماق نسرين كانت قد قررت ان تستكشف من هذه الفتاة ولماذا لم تتحدث بحرف واحد معها فى اول يوم فتحدثت اليها قائلة
- ازيك عامله ايه انا اسمى نسرين
التفتت اليها الفتاة وابتسمت ولم ترد لكنها اخذت ورقة وقلم وكتبت فيها ان اسمها كاثرين وهى مصرية الاصل تركية الجنسية وعاشت فى تركيا حتى وفاة والدها ومن ساعة الوفاة فقدت القدرة على النطق لانها تحب والدها جدا 000هزت نسرين رأسها متفهمة0000 اكملت كاثرين كتابة انها جاءت الى مصر مع امها التى ادخلتها هذه المدرسة حتى تكمل دراستها وكتبت ايضا ان الاطباء يقولون ان ما تمر به حالة نفسية وستزول مع الوقت
ومرت الايام واصبحت نسرين وصديقتها الجديدة كاثرين لا يفترقون ولا تفارقهما الورقة والقلم
وفى نهاية الاسبوع دعت كاثرين صديقتها الجديدة ان تقلها الى المنزل بصحبة امها فاعتذرت نسرين متعللة ان اخيها سيصطحبها الى المنزل لكن كاثرين صممت فكلمت نسرين رامى على التليفون وقالت له ان صديقتها وامها سيصحبوها الى باب المنزل فوافق رامى بعد الحاح واكمل محاضرته الاخيرة
اما والدة كاثرين فهى نسخة من ابنتها بملامحها الاوربية الجميلة ورحبت بنسرين بشدة واصرت على تقديم علبة عصير مثلج لكل منهم
ارتاحت نسرين لها وراحت تتبادل الحديث معها وما ان شربت الرشفة الاولى من العصير حتى راحت فى غيبوبة عميقة .........
عاد رامى الى منزله فى تمام الساعة الخامسة منهكا من طول اليوم الدراسى وما ان دلفت قدمه الى باب المنزل حتى اخذ ينادى على اخته لكى تعد له الغذاء لكنها لم ترد فذهب الى غرفتها فوجدها مغلقة فظن انها نائمة ولم يشأ ان يزعجها فذهب لاعداد الغذاء ولكنه وجد ان اخته وللمرة الاولى لم تعد شيئا فاندهش وعزم على ان يعاتبها عندما تستيقظ
اعد رامى لنفسه الغذاء ومكث يشاهد التلفاز حتى اصابه النعاس ثم استيقظ فجأة ووجد ان الساعة جاوزت الثامنة مساءا فنادى على اخته ولكنها لم ترد فاصابه القلق واسرع وفتح غرفتها ولكنه لم يجدها
هوى قلبه بين قدميه وتسارعت انفاسه ودقات قلبه وفقد القدرة على التفكير للحظات ثم ما يلبث ان جمع شتات نفسه واسرع الى تليفونه المحمول وكلم نسرين لكن وجد ان التليفون مغلق مما ضاعف من توتره فامسك نوتة تليفونات اخته واتصل بجميع اصدقائها ولكن جميعهن اكدوا انها كانت معهم فى المدرسة طوال اليوم حتى انتهائه ولم يروها بعد ذلك فسألهم عن نمرة تليفون كاثرين فأجابوا بالنفى
فخرج مسرعا يبحث عنها فى المول لعلها ذهبت لشراء اى شئ املا ان تكون هناك ولكنه كان على خطأ فاخته لم تكن هناك ولم تذهب اليه فى هذا اليوم 00 لم تذهب لوحدها ابدا
ابدا !!!!
فتحت نسرين عينها ببطء وهى تشعر بثقل وصداع رهيب ونظرت من حولها كانت فى غرفة مظلمة كسر هذا الظلام الدامس ضوء خفيف تسرب من تحت عقب باب الغرفة المغلق
حاولت ان تنهض لكن وجدت ان يديها وقدميها مربوطتان فى الكرسى الجالسة عليه انتابتها حالة فزع وحاولت ان تصرخ لكن فمها مكمما
ادركت انه لا فائدة من المقاومة وهدأت قليلا لتستجمع وترتب افكارها محاولة ان تجيب على التساؤلات العديدة التى تدور برأسها
لماذا هى مقيدة هنا ؟
اين هى ؟
لماذا يهتم احدا ما بخطفها ؟
وماذا تريد كاثرين وامها منها ؟
واين رامى الان وماذا يفعل ؟؟؟
وعندما وصلت الى هذا السؤال ارتعبت مفكرة ما هو حال اخيها الان
اضاء نور الغرفة فجأة ومعها اغلقت نسرين عينيها فى الم ثم فتحتها ببطء شديد ووجدت كاثرين وامها يتحدثون امامها بلغة غريبة لا تعرفها وانتبهت ان كاثرين تتكلم وليست فاقدة النطق
ولكن لماذا كانت تكذب عليها ولماذا قاموا بخطفها ؟؟؟؟
وراحت تدور بافكارها الاف الاجوبة المريعة !!!!
انهار رامى عندما خرج من المول وعرف من مشرفين الامن فى ابوابه الثلاثة ان اخته لم تأتى اليوم الى المول وجلس فى سيارته لا يعرف اين يتجه
هل يذهب الى الشرطة لكنه يعرف انه لم يمضى على اختفائها اكثر من خمس ساعات ولن يلتفت احد الى بلاغه
فجأة خطر بباله ان تكون فى الكنيسة وارتاح جدا لهذه الفكرة نعم لماذا لا تكون هناك كيف لم يفكر فى هذا من قبل
وانطلق مسرعا بالسيارة الى الكنيسة الموجودة على مشارف المدينة
هذه اول مرة يدخل رامى الكنيسة منذ وفاة والديه رحب به الموجودين هناك ولكنه لم يبالى كان كل همه ان يعرف هل أتت نسرين اليوم ام لا ولكن النفى هو الجواب الوحيد الذى تلقاه من الجميع
انتزعت والدة كاثرين الكمامة من فم نسرين ومعها اطلقت نسرين صرخة مدوية فما كان منها الا ان جذبتها بشدة من شعرها وقامت بصفعها واعادت الكمامة مرة اخرى
دخل الى الغرفة رجلين من ذوى الملامح الغربية وتشاجرا مع كاثرين ووالدتها ثم امرهم بالخروج جميعا واخرج من جيبه كاميرا صغيرة والتقط صورة لنسرين ثم اغلق الباب خلفه واطفأ النور
خرج رامى من الكنيسة وذهب الى المنزل لعل نسرين رجعت وفى طريقه رن هاتف تليفونه المحمول فوجد رامى نمرة غريبة فرد بلهفة لعلها نسرين تتصل من تليفون احد اصدقائها فوجد شخص غريب يتحدث اليه :-
- انت رامى
- نعم
- اختك نسرين مخطوفة عندنا
- انتفض رامى فى مقعده وصرخ قائلا نسرين لماذا ماذا تريد
- اذهب الى المنزل وهناك تعرف واياك ان تبلغ الشرطة
واغلق الهاتف وقبل حتى ان يفكر رامى وصلته رسالة فيها صورة نسرين مكممة ومقيدة وما ان رأها حتى كاد ان يغمى عليه من فرط خوفه على اخته الوحيدة
وصل رامى الى المنزل كانت الساعة الان العاشرة مساءا وما ان جلس على الاريكة حتى رن هاتف تليفونه المحمول مرة اخرى ولكن هذه المرة من نوع الفيديو كول وجد نفس الصوت يتحدث اليه ولكن الصورة كانت تنقل له اخته المقيدة وهى تحاول بشدة ان تصرخ وتنتزع كمامتها
بكى رامى بشدة وسأل الرجل ماذا تريد
اجابه الرجل فى غلظة تحت الاريكة الجالس عليها هناك حقيبة ما عليك سوى ان تأخذها الى المول التجارى فى تمام الساعة الحادية عشر تضعها هناك وتمشى وقبل ان ترجع الى المنزل تكون اختك هناك ومن مصلحتك لا تقم بفتح الحقيبة نفذ اللى بيتقال ليك وبس ولو لم تنفذ سترى اختك تموت امامك وقبل ان يفكر رامى اغلق الرجل السماعة
دخلت كاثرين الغرفة مرة اخرى وحذرت نسرين انها ستنزع كمامتها ولكن ان صرخت ستضعها ثانيا وستتركها
امآت نسرين برأسها بالموافقة فانتزعت كاثرين الكمامة قائلة
- اتريدى ماء
- نعم من فضلك
احضرت كاثرين كوب ماء وناولته لنسرين فشربته ثم سألتها نسرين
- من انتم بالتحديد؟
- لا يهم من نحن ؟
- ماذا تريدون منى ومن اخى؟
- من مصلحتك متعرفيش... احنا عايزين حاجة باختصار محدش يقدر ينفذها غير رامى
- انتم مين اللى عايزين
- لا يهم
- طيب انا هفضل هنا علطول
- اول ما رامى ينفذ اللى احنا عايزينه هنروحك علطول
وخرجت واغلقت الباب تاركة نسرين خلفها تتسأل بشدة من هم وماذا يريدون من رامى
انتزع رامى الشنطة من تحت الاريكة التى يجلس عليها وقرر فتحها بالرغم من تحذير الرجل له فوجد بها قنبلة كبيرة وبها جهاز توقيت مظبوط على الساعة الحادية عشر و النصف
لم يفكر رامى فكان قد قرر انه سينفذ كل ما قيل له فهو لن يخسر الانسانة الوحيدة التى يهتم لامرها ويحبها لن يحتمل فكرة فقدها ولا يهتم من هؤلاء ولماذا يريدون ذلك
كل ما يهم سلامة اخته وليذهب الباقى الى الجحيم
اذا كان هناك جحيم !!!!!!!!!
خرجت كاثرين واغلقت باب الغرفة لكنها نسيت النور مضاء مما منح الفرصة لنسرين ان تستكشف الغرفة جيدا فاخذت تزحف بالكرسى حتى وصلت الى باب الغرفة والصقت اذنيها بالباب وارهفت سماعها فى محاولة منها ان تعرف بعض الاجوبة
وسمعت الرجلين والفتاتين يضحكون انها الان تستطيع ان تميز اللغة التى يتحدثون بها انها اقرب الى العبرية من اللغة التركية
وما ان تأكدت انها اللغة العبرية حتى خفق قلبها بعنف وادركت ان هناك شيئا كبير سيحدث فى المدينة ولكن اين وما علاقة رامى لم تستطع ان تجد اجوبة وفكرت بخلدها ماذا يفعل رامى الان ولم تكن تعلم ان رامى يستعد للقيام باكبر عملية ارهابية فى الشرق الاوسط وربما تكون نهايته
اونهايتها
اونهايتهم معا
دقت الساعة الحادية عشر ومعها نزل رامى من سيارته حاملا الحقيبة ومتجها الى المول
يوم الخميس كان المول ممتلأ عن أخره فهو نهاية الاسبوع والجميع اجازة
نساء واطفال تجرى هنا وهناك والجميع فى سعادة
ترك الحقيبة فى المكان المتفق عليه وخرج وقبل ان يخرج لمح بعينيه طفل صغير لم يتعدى السنتين من عمره يبكى ويبحث عن امه فرق قلبه لهذا المنظر وتحركت مشاعره الا انه خرج من المول واتصل بالهاتف واخبرهم انه نفذ واغلق السماعة وبكى
بكى لمنظر الطفل
بكى لمنظر الرجال والنساء اللذين يمرحون ويتبضعون فى المول بسعادة
وتذكر ابيه وامه هل كانا سيفعلا ذلك ام لا
وعند هذه النقطة لم يحتمل فوجد نفسه محمولا يجرى بسرعة فائقة ودخل المول واخذ الحقيبة وركب السيارة وعند اقرب منطقة خالية القى بها وما ان ابتعد حتى دوى صوت انفجار هائل هز المدينة هزا
بعدها بخمس دقائق امتلأ المكان عن اخره برجال الشرطة والمطافئ وسكان المدينة يستطلعون الامر وقبل ان يفكر فى نسرين رن هاتفه المحمول بمكلمة من نوع الفيديو كول
نقلت الصورة له رجل يصرخ بعربية رقيقة
اتتحدانا يا رامى
اتتحدى اعظم دولة انظر ما سيحدث الان
وانتقلت الصورة الى صورة اخته ورجل اخر يصوب لرأسها بندقية ثم اطلق النار
ومعها انتفض رامى بشدة وغاب عن الوعى
لا يعلم رامى كم المدة التى قضاها غائب عن الوعى الا انه عندما استيقظ وجد نفسه نائم على سرير فى مستشفى وتحيط به الاجهزة الطبية من كل ناحية وعندما استوعب عقله ما حدث اخذ يصرخ بطريقة هيسترية مناديا على نسرين اخته
مما جعل الاطباء يسرعون اليه ويعطونه مخدر حتى لا يصاب بأنهيار عصبى
دخل رامى مرة اخرى فى غيبوبة لم يفق منها الا على يد حانية تهز كتفه برفق
فتح رامى عينيه ووجد امامه شخص منير جدا يرتدى ملابس بيضاء فسأله رامى
_ من انت
_ انا ميخائيل رئيس الملائكة ارسلنى الرب لكى اصعد بك وتراه
وفى لحظات شعر رامى انه يصعد الى فوق مع رئيس الملائكة وفجأة وجد نفسه فى مكان جميل جدا من شدة روعة المكان نسى كل شئ والاجمل من ذلك تلك الحالة النفسية الغريبة التى شعر بها فهى مزيج من السلام والبهجة والراحة وشعر ايضا بطاقة حب محدودة لا نهائية
واخذه الملاك ميخائيل ليسجد امام رب المجد
شعر رامى برهبة وهو واقف امام عرش السيد المسيح الذى كان ينظر له بحب وحنان لا مثيل له على الاطلاق وقال رب المجد مبتسما
لقد فعلت يا رامى مثلما فعل والديك ومثلما فعلت انا فقد ضحيت بأعز ما تملك فى سبيل حبك لباق البشر كما انا ايضا ارسلت ابنى ليموت فداء عن البشر ولتعرف ان السماء والارض تزول وان كلمة منى لا تزول ابدا سوف ترى ابوك وامك ومكانهم فى الملكوت
ثم التفت رب المجد الى الملاك ميخائيل قائلا اذهب به ليرى ابوه وامه
وفى الحال مشى بى الملاك ميخائيل فى اماكن جميلة ذات خضرة عجيبة وانهار لا توصف من شدة جمالها
ورايت ابى وامى من بعيد يتمشان معا بجوار النهر على ارض خضراء ويحيط بهم زهور ذات الوان غريبة فائقة الجمال والروعة فجريت نحوهم واحتضنتهم وعرفت منهم انهم فى غاية السعادة وان رب المجد عند نياحتهم استقبلهم بنفسه
فارقت ابى وامى وذهبت مع الملاك الى الرب يسوع وسجدت له ورجوته ان امكث معه فى هذا المكان الجميل وسألته عن مكان نسرين فابتسم بحنان رب المجد واشار للملاك ميخائيل ان يرجع بى
فرجعت الى مكانى فى المستشفى واعطانى رئيس الملائكة الاجبية وقال لى رب المجد يريدك ان ترجع للصلاة مرة اخرى ثم صعد وغبت انا عن الوعى
تماما
انطلق صوت موسيقى عزب من الساعة الكبيرة المعلقة على الحائط معلنة تمام الساعة السابعة صباحا ومعها استيقظ رامى ونظر من حوله لم يجد الاجهزة الطبية ولا المستشفى بل وجد نفسه فى حجرته نائم على سريره وقبل ان يفكر فى الاندهاش تسرب صوت موسيقى هادئ قادم من الحجرة المجاورة ومعه قفز رامى من السرير وفتح الباب كالصاروخ ليجد فى الصالة اخته نسرين قد اعدت له الاكل ومنتظرة ان يأكلا سويا
لم يصدق رامى نفسه من الفرحة واخذ يقبل اخته ويحضنها وهو يضحك ويبكى فى آن واحد
نسرين بدورها اصابها الدهشة لكنها ابتسمت فعلى اى حال منذ وفاة والديهم لم تر رامى بهذه الصورة
اسرع رامى الى غرفته مرة اخرى واخد ينظر حوله ويتسائل
هل كان حلم
لا يمكن ان يكون حلم ونظر الى التاريخ فى النتيجة فوجدها السادس من فبراير لعام 2009 جن جنونه فلا يمكن ان تكون هذه الاحداث مجرد حلم
وعندما لم يصل الى نتيجة اسرع فى ارتداء ملابسه فقد تأخر عن ميعاد المحاضرة فى الجامعة وعن توصيل اخته الى المدرسة فى بداية الترم الدراسى وفى رأسه عشرات الاسئلة لكنه الان مشتاق الى الحياة والناس واصدقائه والكنيسة
وخرج بسرعة من باب الغرفة ولم ينتبه الى تلك الاجبية الصغيرة التى سقطت على فراشه
اجبية صغيرة
مصنوعة ومغلفة من مادة لا يوجد لها مثيل
على الاقل على وجه الكرة الارضية
شكرا
تمت بنعمة ربنا
قصة الزمن المفقود