خمائل الطيب: تفسير نشيد الأنشاد
ص 1، آية 14
14-"طاقة فاغية حبيبي لي في كروم عين جدي"
رأينا في العدد السابق ان العروس قد شبهت عريسها "بصرة المر" وها هي تشبهه الآن "بطاقة الفاغية" أي بحزمة من زهر الحناء، ولا نغالي ان قلنا ان كل شيء جميل في الوجود أنما يشير إلى سجية خاصة من سجايا ربنا المبارك، فإذا رجعنا إلى عهد الظلال والرموز نجد ان كل منظر جميل في خيمة الاجتماع بما احتوت من شقق واستار _ المائدة وما عليها من خبز شهي، المنارة بسرجها المنيرة، المذبح وما عليه من ذبائح، قدس الأقداس وتابوت العهد وما احتواه، رئيس الكهنة وما عليه من ملابس مطرزة، هذه وغيرها أشياء ليس لنا ان نتكلم عنها الآن بالتفصيل أنما تشير إلى جمال وكمال صفات ربنا يسوع المسيح وإلى أمجاد المتنوعة "في هيكله الكل قائل مجد"(مز29: 9) وإذا تأملنا إلى الطبيعة وما فيها من مخلوقات جميلة نجد فيها صورا مصغرة تعلن لنا كمال أمجاد وصفات ربنا المبارك، والوحي نفسه يستعمل ما في الطبيعة من أوصاف للتعبير عما في الرب من كمالات، فالرب "شمس ومجن" وهو "كوكب الصبح المنير". هو "نور العالم" وهو "الكرمة الحقيقية، شجرة الحياة"، "والتفاح" وهوذا العروس تشبهه بصرة المر، وبزهر الحناء وسنرى فيما يلي في هذا السفر كيف أنها تشبه كل صفة من صفاته الجميلة باستعارات من الكائنات الجميلة، حتى الألوان الطبيعية المتميزة بالجمال فهو أبيض وأحمر ورأسه كالذهب الإبريز وساقاه عمودا رخام وغير ذلك كثير، ولا غرابة في ذلك إذ أنه مصدر كل ما في الطبيعة والكائنات بأسرها من جمال. أنه المبدع لكل المخلوقات الحسنة والجميلة "الكل به وله قد خلق"(كو1: 16).
وكما ان حبيبها لها كصرة المر وبيت ثدييها يبيت (أي أنه يحل بالإيمان في قلبها، ولا يستطيع العالم ان يراه لأنه لا يعرفه إذ هو مختبئ في أحشائها، ولكنها فقط تحمل رائحته الذكية _ رائحة صر المر _ في كل حين وفي كل مكان)، فهو أيضا حبيبها الذي لها "كطاقة الفاغية" (أي كزهور الحناء) وما أجمل هذا الزهر فان رائحته الذكية تنتشر في الأرجاء الفسيحة فيعطر الهواء برائحته المنعشة، وكم هو جميل ان ترى العروس حاملة على يديها "طاقة الفاغية" فهو ليس مستقرا في قلبها كغرضها وموضوع تعلقها وتعبدها فحسب، ولكنه أيضا محمول على يديها على مرأى من جميع الناس، فهو أيضا موضوع شهادتها، لذا تعلى اسمه وتعلن للجميع _ لا بكلامها فقط بل وبإظهار صفاته في حياتها أنه حبيبها وتدعو الجميع لان يختبروه مثلها "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب"(مز34:
. ان الشهادة العلنية لربنا يسوع المسيح "كطاقة الفاغية" أنما نتيجة شركتنا السرية معه (كصرة المر) الذي يحتل مكانه بالإيمان في قلوبنا.
* * *
ان كانت "صرة المر" تشير إلى آلام المسيح وموته كمن "أسلم من أجل خطايانا" _ أعني "المسيح على صليب الجلجثة" فان "طاقة الفاغية"تشير إلى المسيح في القيامة أي "كمن أقيم لأجل تبريرنا".
نعم ان صرة المر، وطاقة الفاغية المزهرة يعيدان إلى أذهاننا آلام الصليب ومجد القيامة ويقوداننا لان نفكر في ذاك الذي بذل نفسه لأجلنا والآن نراه مكللا بالمجد والكرامة، ويستطيع الإيمان أي يقول في نصرة مقدسة "أسلم من أجل خطايانا" وأين هي الآن؟ لقد تلاشت إلى الأبد. نعم، لقد وضع المسيه حدا للخطية، وهل تتعداه؟ كلا. لن تستطيع ذلك، لان الذي مات من أجل خطايانا "قد أقيم من الأموات بمجد الآب" وفي هذا تسوية أبدية لمسألة الخطية. "أقيم لأجل تبريرنا". يسوع المقام هو شهادة الله على تبرير المؤمن، وعلى هذا الأساس الراسخ يستقر الإيمان فالكل سلام، إذا العمل قد اكمل لان المسيح قام.
وما أبرك النتائج وما أحلى الثمار المقدسة للإيمان! "فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح الذي به أيضا قد صار لنا الدانا قليل الاداب يا مستر اطردنى بالإيمان إلى هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون ونفتخر على رجاء مجد الله. . . وليس ذلك فقط بل نفتخر أيضا بالله بربنا يسوع المسيح الذي نلنا به الآن المصالحة"(رومية5) "فان كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله"(كو3: 1).
* * *
يعتقد البعض ان الفاغية هي غصن الحناء يزرع مقلوبا فيخرج زهرا أطيب من الحناء وفي هذا نرى صورة جميلة لعمل ربنا المبارك الذي أخلى نفسه آخذا صورة عبد، وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب، لقد نـزل إلى أقسام الأرض السفلى _ "إلى تراب الموت"(مز22: 15). هو حبة الحنطة التي وقعت في الأرض وماتت فأتت بثمر كثير، نعم لقد مات ربنا المبارك وقام أيضا فأتى بثمر كثير ونحن ثمر عمله، وكلمة "فاغية" باللغة العبرية هي "كوفر Copher" بمعنى كفارة، وتبارك اسم إلهنا لان ربنا يسوع المسيح الذي مات وقام من بين الأموات بمجد الآب "هو كفارة لخطايانا"(1يو2: 2).
* * *
"في كروم عين جدي" فالعروس لا تكتفي بالشهادة لعريسها المقام من بين الأموات، ولكنها أيضا تشير إلى المكان الذي تستطيع النفس ان تتمتع فيه بعشرته السعيدة _ "في كروم عين جدي" وقد قيل ان عين جدي كانت يوما ما شهيرة بثمارها الوفيرة وأطيابها النفيسة، فكان يتوفر فيها كل ما هو جميل للعين وحلو في المذاق وذكي الرائحة للأنف، ولا عجب ان كانت النفس تشبع بألذ الثمار وتنتعش بأنفس الأطياب في حضرة ذلك الحبيب.
ليتنا نوجد ونعيش في جو الشركة المقدسة معه فنتمتع بملء الشبع والهناء لان أمامه شبع سرور وفي يمينه نعم إلى الأبد "يروون من دسم بيتك ومن نهر نعمتك تسقيهم"(مز36:
.
"قد اشتهرت كروم "عين جدي" بحادث تاريخي قديم، فان داود ورجاله قد اختبأوا فيها عندما كان شاول يطارده (1صم24: 1-4) ففي ذلك الوادي الحافل بالثمار والأزهار توفر المخبأ والغذاء والترفيه عن نفس الملك مسيح الله وعن أصحابه الذين وقعت قرعتهم معه، وما أحلى الشركة مع المسيح سواء في أوقات الراحة والسرور أو في أوقات التعب والألم، في النهار كما في الليل، أعني ليس في أوقات الراحة فقط نتمتع بالشركة مع الحبيب بل وفي أوقات العمل والجهاد في النهار "في الكروم".
عندما ننشغل في حراسة كروم الغير فهناك الخطر من إغفال حالة نفوسنا (ع6) ولكن عندما نكون عاملين مع الرب الحبيب ولأجله فان الشركة معه والانحصار في محبته والتفرس فيه تؤول إلى النجاح الروحي والنمو في النعمة.