متى يبدأ الحب ؟ قبل الزواج أم بعده ؟ وأى الزيجات أكثر نجاحاً : تلك التى بدأت بعد قصة حب أم التى بُنيت على الاختيار العقلى ؟ وهل يكفى الاحترام والتفاهم دون حب جارف متدفق ؟
إنه سؤال يتردد كثيراً على ألسنة الشباب وهو بالطبع سؤال لا يمكن الرد عليه ببساطة بنعم أو لا، فما ينطبق على شخص لا ينطبق على غيره .. وما يصلح قوله بشأن علاقة قد لا يناسب علاقة أخرى ، غير أننا سوف نحاول توضيح مفاهيم تساعده على الرد على مثل هذة الأسئلة ...
يجب أن نتفق أولاً على مفهوم كلمة " حب " ، فهى كلمة يستخدمها الناس بمعان مختلفة .. فهناك الحب السطحى الذى كثيراً ما تُعبر عنه الأفلام السينمائية، والذى يرى فى الزواج علاقة بهجة وسعادة فقط دون أن يراعى أن هناك على الجانب الأخر المسئولية ومعاناة التكيف مع شريك الحياة المختلف .. وكثير من الشباب يبحث فى الزواج عن البهجة والسعادة، وحينما يكتشف أن الزواج يحتاج إلى جهد وجهاد للتكيف مع " الآخر "، وصبر واحتمال، إلى أن تحدث عملية التوافق الزوجى - حينما يكتشف ذلك يشعر بان الزواج قد أصبح عبئاً يحتاج إلى قدر من الحب الحقيقى كى يحمل هذا العبء، فالمحبة " تتأنى وترفق، وتحتمل كل شئ، وتصبر على كل شئ ..." (ا كورنثوس 4:13)
الزواج بين البهجة والمسئولية
إن بعض الشباب يرون فى الزواج إذن،وسيلة للراحة والمتعة والسعادة فقط، أى وسيلة للأخذ، بينما الزواج فى واقع الأمر مجال للعطاء، والعطاء يتطلب الحب الحقيقى .. هذا هو الحب اللازم للزواج، الحب الحقيقى، أو بالتعبير المسيحى " الحب الأغابى " الذى فيه يفكر كل واحد كيف يسعد الاخر .. إن الحب السطحى يقول : " شريك حياتى موجود كى يسعدنى ", بينما الحب الحقيقى يقول : " أنا موجود كى أسعد شريك حياتى".
لذلك يحتاج الشباب المقبل على الزواج أن يستعد للعطاء , أى يستعد للحب الحقيقى، وحيث إن الحب الحقيقى مصدره الأصلى هو الله : " الله محبة" (1يوحنا 16:4) ، فإن الشباب المقبل على الزواج يحتاج إلى التوبة الحقيقية التى من خلالها يتطهر قلبه ليحيا فى علاقة حميمية مع الرب يسوع ، ويمتلئ قلبه بالحب للآخرين، كل الآخرين (الحب العام)، ومتى فكر فى الارتباط سوف يقدم لشريكه حباً حقيقياً طاهراً ( الحب الخاص)...ينبغى إذن، أن يُبنى الزواج على أساسيات ثابتة قوية : الاختيار الواعى المتعقل، والعاطفة المنضبطة، وليس على مجرد مشاعر متقلبة، تبدأ حارة ولكنها لا تلبث أن تفتر ...
نوبات عاطفية :
الحب الجارف المتدفق الذى يحدث خلال فترة قصيرة غالباً حب سطحى، يمضى سريعاً مثلما جاء سريعاً، لأن فيه غالباً تغييب للعقل، حيث الإعجاب العالى دون فهم كاف لطباع شريك الحياة، ودون محاولة التكيف مع هذا الشريك المختلف ، فالحب السطحى الجارف يتجاهل الاختلافات الطبيعية بين الشريكين ، ويفترض بأنه قادر على التغُلب على كل الصعاب والاختلافات التى سوف يراها فى شريكه فى المستقبل، بل ويؤجل فهم وبحث مثل هذة الاختلافات أو يؤجل عملية التكيف إلى ما بعد الزواج .. ثم بعد الزواج غالباً ما يهبط هذا الحب الجارف، ويخفت صوته، ويبدأ العقل النائم فى اليقظة ليكتشف أن الشريك شحص مختلف عما كان متصوراً, يكتشف أن فيه عيوباً ما كان يتوقعها،يكتشف أن عليه أن يتحمل هذة العيوب ويصبر عليها ، ولكنه لا يتحمل ولا يصبر لأن الحب الذى كان يختزنه فى قلبه، كان حباً سطحياً، اتى بقوة جارفة عنيفة، وقد هدأ أخيراً بعد الزواج، والحب السطحى لا يقدر ان يتحمل عيوب الشريك لآنه حب يبحث عن الأخذ وعاجز عن العطاء ..
ونتعجب حينما نجد حالات انفصال زوجى كثيرة بدأت بقصة حب جارف سرعان ما تحول إلى صراع، بل غلى حرب بين الشريكين...!
الحب الهادئ :
على النقيض نجد ان الحب الحقيقى حب هادئ متمهل، فى حالة توازن مع العقل .. وبقدر ما يتفهم مع العقل صفات وطباعاً فى "الآخر "بقدر ما يتحرك القلب بالحب .. وبقدر ما يمر الوقت بقدر ما تصبح العلاقة أكثر حميمية ....
وهكذا فإن الحب الحقيقى يبدأ تدريجياً ويدوم، على عكس الحب السطحى الذى يبدأ سريعاً ويهبط سريعاً .. فالحب الحقيقى مثل بناء نضع له الأساس عميقاً ونبنى على الأساس قالباً فوق قالب إلى أن يقوم بناء ضخم لا تؤثر فيه الزلازل، وبالطبع يستغرق البناء وقتاً أطول، ولكنه يدوم عمراً أطول.
وللرد المباشر على السؤال نقول : لا يُشترط أن يأتى الزواج بعد قصة حب جارف، ولكنه يمكن أن يأتى بعد قصة حب هادئ، وفى أحيان كثيرة يأتى الزواج نتيجة تفاهم واحترام متبادلين، ينمو الزوجان فى الحب يوماً بعد يوم ، ولا يدفع بهما الزواج إلى الملل بل إلى الحيوية والعاطفية المتعقلة المتزنة.
سندريلا