هذا الكتاب هو الجزء الأوّل من مجموعة نباشر اليوم بإصدارها في اللاهوت الأدبيّ أو الأخلاقيّ. وهو موجّه إلى طلاّب السنة الأولى في معاهد اللاهوت, وإلى طلاّب مراكز التثقيف الديني المخصصة للعلمانيين. وهو يقدّم، كما يدل عليه عنوانه، المبادئ الأساسية في الأخلاق المسيحية. وهو مقسّم إلى أربعة فصول وملحق.
الفصل الأوّل يوضح هدف اللاهوت الأدبي، وهو مساعدة الإنسان على الوصول إلى بناء إنسانيته في مختلف أبعادها الجسدية والنفسية والروحية، وذلك في الانفتاح على الذات وعلى الآخرين وعلى الله.
الفصل الثاني يعالج موضوع اللاهوت الأدبي، أعني الأفعال أو الأعمال الإنسانية أولا في علاقتها المزدوجة بالحرية من جهة وبالواجب من جهة أخرى, ثم في مضمونها الأخلاقي، فنحاول توضيح قياس القيم الأخلاقية والعناصر المتنوعة التي يجب الاستناد إليها للحكم على ما في الأعمال من خير أو من شر، وبنوع خاص على العلاقة بين غاية العمل الإنساني والوسيلة التي يستخدمها الإنسان للوصول إلى تلك الغاية.
في الفصل الثالث نتوسع في قاعدة الأخلاق, وهي قاعدة مزدوجة: الوصايا والشرائع من جهة، والضميرمن جهة أخرى. فنعالج هدف الوصايا والشرائع ومصدرها وإمكانية تطورها، وذلك من خلال تعليم الكتاب المقدّس: في العهد القديم ثم في العهد الجديد في تبشير السيد المسيح بالملكوت، ثم من خلال تعليم الكنيسة الأولى. ثم نبين العلاقة, القائمة أبدا بين الوصايا وشريعة الضمير.
الفصل الرابع يعرض لدور الكنيسة في التشريع الأخلاقي وسلطتها في تحديد الشرائع.
وفي ملحق خاص أوجزنا مضمون الرسالة العامة التي وضعها قداسة البابا يوحنا بولس الثاني في الأخلاق المسيحية في6 آب 1993, وعنوانها "تألق الحقيقة". وقد رأينا في هذه الرسالة موجزا لتعليم الكنيسة الكاثوليكية الرسمي في موضوع كتابنا هذا, أي المبادئ الأساسية في الأخلاق المسيحية.
وقد حاولنا في هذه الدراسة أن نجمع بين الأمانة لتعليم الكنيسة المستند إلى الكتاب المقدّس, والانفتاح على الفكر المعاصر الذي أفاد من تطور العلوم الإنسانية, وهو يركّز على واجب كل إنسان في تربية ضميره للوصول إلى تحمل مسؤولية أعماله بفكر مستنير وإرادة واعية.
في تفكيرنا في موضوع الأخلاق, وفي التزامنا عمل الخير, قد نسأل نحن المسيحيين: "ألا يفعل ذلك أيضا الوثنيون, أو الملحدون, أو المؤمنون في الأديان الغير مسيحية؟" ويأتينا جواب السيّد المسيح: "فأنتم إذن كونوا كاملين كما أن أباكم السماوي هو كامل" (متّى48:5). الحياة المسيحية هي حياة أبناء مع أبيهم, وقد صاروا بالمعمودية أعضاء في جسد المسيح، وبالتالي إخوة لجميع الناس أبناء الله الآب السماوي, وهياكل لروح الله القدّوس.
يقول بولس الرسول عن الحياة المسيحية وعن السلوك المسيحي: "إن كنا نحيا بالروح, فلنسلكنّ أيضا بحسب الروح" (غلا25:5). وهذا هو مضمون الأخلاق المسيحية: أن يسلك المسيحي بحسب الروح الذي يحيا به. الحياة المسيحية ليست مجرّد خضوع لوصايا وشرائع تُفرض على الإنسان من الخارج، إنّما تنبع من داخل قلب الإنسان, بعد أن يتجدّد بنعمة يسوع المسيح ويمتلئ من روحه القدّوس. إنها الحياة بحسب التألّه الذي يدخل المسيحي منذ المعمودية مسيرته الطويلة. وتلك الحياة لا تنفي الواقع, بل تنطلق منه, غير أنها لا تخضع له. فهي تحرص على التفاعل معه أحيانا وعلى مصارعته أحيانا أخرى. الحياة الأخلاقية هي في كثير من الأحيان جهاد ضد العنف والعبث. لإضفاء معنى على السلوك الإنساني، معنى يليق بكرامة الإنسان المخلوق على صورة الله.
وفي هذا الجهاد يدرك المؤمن المسيحي أن يسوع المسيح عمّانوئيل هو معه، وأن روح الله القدّوس هو فيه. ذلك أن الله, الذي خلق الإنسان من فيض محبته له, لا يزال يجدّد فيه خلقه بروحه المحيي، ليصل الإنسان إلى أن يحقق في ذاته الصورة الإلهية التي خلق عليها.