رفع الصليب الكريم المحيي
للقديس يوحنا الدمشقي
" إن كلمه الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوه الله " ، " فإن الروحي يحكم في كل شيء " ( 1 كو 2: 15 ) ، أما الإنسان الحيواني فلا يدرك ما لروح الله " ( 1 كو 1: 14 ) فإنها لجهالة عند الذين لا يقتبلون ذلك بإيمان ويشككون في صلاح الله وإقتدارة العام، بل يدققون في بحث الإلهيات بأفكار بشرية وطبيعية لا، كل ما يتعلق بالله هو فرق الطبيعة والنطق والتفكير فإذا تساءل أحدهم كيف وبماذا ولماذا أخرج الله كل شيء من العدم إلي الوجود وأراد أن يعبر عن ذلك بأفكار طبيعية فهو لا يستوعبه وتكون معرفته نفسها طبيعية وشيطانية أما إذا هو إنقاد على هدى الإيمان وفكر بأن الإله صالح وقدير وصادق وحكيم وعادل، فهو يرى كل شيء سهلاً وممهداً ، والسبيل إليه رحباً فإنه لا يمكن الخلاص بدون الإيمان وبالإيمان يقوم كل شيء بشرياً كان أم روحياً لأن الفلاح بدون إيمان لا يشق أرضاً إلي أتلام ولا التاجر بدون إيمان يزج بنفسه على خشبة صغيرة في لجة البحر الهائج ولا الزوجات تقوم ولا أي شيء آخر مما في الحياة، فبالإيمان نفهم خروج كل شيء من العدم إلي الوجود بقوه الله، وبالإيمان نقدر كل الإلهيات والبشريات قدرها فإن الإيمان إقتناع لا يتخلله أبحاث فارغة.
إذاً فإن كل أعمال المسيح ومعجزاته عظيمة جداً وإلهية وعجيبة بيد أن أعجبها كلها صليبة الكريم فلولاه لما بطل الموت أبداً ولا إنحلت خطيئة أبينا الأول ولا سلب الجحيم ولا منحت القيامة ولا أعطيت لنا قوه لإحتقار الأشياء الحاضرة والموت نفسه ولا تمهد السبيل للعودة إلي السعادة القديمة ولا فتحت أبواب الفردوس وجلست طبيعتنا إلي ميامين الله، ولا صرنا أبناء الله وورثته، لولا كان بصليب ربنا يسوع المسيح لأن كل شيء إصطلح مع الصليب ولذا فإن الرسول يقول: " إن كل من إصطبغ في موته " ( رومية 6: 3 ) ونحن جمله من إعتمدنا في المسيح قد لبسنا المسيح " ( غلاطية 3 : 27 ) و" المسيح قوه الله وحكمة الله " ( كورنثوس الأولى 1 : 24 ) فهوذا موت المسيح – أي صليبه – قد ألبسنا حكمة الله وقوته الأقنومية والكلمة، كلمه الصليب هو قوه الله ذلك لأنه إقتدار الله ولأنه إنتصر على الموت وبه قد ظهر لنا ولأنه – على نحو ما إن أطراف الصليب الأربعة ترتبط وتشتد في نقطتها الوسطى – كذلك بقوه الله، يجتمع العلو والعمق والطول والعرض أي الخليقة كلها ما يرى وما لا يرى.
إذاً فيجب السجود للعود الكريم حقاً والمستحق الأكرم الذي قرب عليه المسيح ذاته مذبوحاً لأجلنا وقد تقدس بلمسه الجسد والدم الأقدسين ويجب السجود أيضاً للمسامير والحربة وثيابة ولمساكنة التي هب المذود والمغارة والجلجلة وقبرة الخلاصي المحيي ولصهيون أم الكنائس ولأمثالها على ما يقول داود أبو المسيح إلهنا: " لندخل إلي مساكن الرب ولنسجد لموطئ قدمية " ( مزمور 131 : 7 ) والبرهان على أنه يعني بذلك الصليب، يؤخذ مما يأتي: " قم أيها الرب إلهنا إلي راحتك " ( مزمور 131 : 8 )، لأن القيامة تتبع الصليب فإذا كان الحبيب يحب من محبوبه بيته وسريرة ولباسه، فكم بالأحرى كثيراً يجب أن نحب – من إلهنا ومخلصنا – ما بواسطته صرنا مخلصين.