اغرب سؤال يمكن أن نسأله ما هو الزواج، وإذ سُئلنا ما هو الزواج؟ سنجد اجا بات مختلفة . والمكان لا يسمح بالأسباب التي لدى الناس، لكن ملخصها لا يزيد عن كون الزواج حدث في حياة كل فرد له أسبابه الاجتماعية ويتم في إطار ديني، ويمكن أن نضيف الوصول إلي فكرة حفظ النفس من السقوط أو تكميل الدين، ووجود نسل صالح والحقيقة التي نريد أن نقترب منها في هذه المقالة ليس الزواج كما يراه الناس أو المجتمع بل كيف يراه الله، لأن فهمي للقصد الإلهي للزواج سيجعلني أفهم معني العهد.
هل اختيار شريك الحياة مطلق؟ بمعني الإنسان حر في اختيار شريك الحياة؟. في الحقيقة الإجابة السطحية تقول الإنسان حر في اختيار شريك الحياة، لكن في الحقيقة كل فرد ليس حر بالمعنى المطلق لأن من يختار هو مضطر إلى الالتزام بمجموعة من القواعد الأدبية والاجتماعية والفسيولوجية والمادية والتعليمة وبالتالي صارت كل هذه أسباب تقيد مفهوم الحرية بل هناك ضابط روحي، وأيضا لا ننسى الدور الإلهي في أمر اختيار شريك الحياة لأن المؤمن الذي يعيش باستمرار في الخضوع لمشيئة الله من الطبيعي سيكون اختياره بحسب مشيئة الرب. وهنا لا ندخل في أمر التحديد المطلق أم الإطار العام للاختيار ، ومعنى هذا نجد أن هناك أبعاد متشعبة لفكرة الزواج أكثر من المظهر الخارجي وبالمناسبة إن معظم الزيجات التي تخرج عن الإطارات المحددة للعلاقات تنتهي بالفشل كمن يأخذ الجانب العاطفي أو الجانب الروحي أو التعليمي فقط . وبالتالي الموضوع معقد أكثرمما نتصور، هل هو اجتماعي فقط أم روحي أم ...
هذا الاختيار يقود إلى اتفاق لشركيين على الارتباط وغالباً الأسباب الشخصية والدوافع للزواج هي التي تحدد شكل الزواج من جهة نجاحه أو فشله، فلو الدوافع مرتبطة بالمفهوم الذي سنقدمه سيكون زواج موفق أو فاشل، إذا يمكن أن نتوصل إلى أنواع مختلفة للزواج حتى وإن كانت في إطار ديني، فالمفاهيم المحددة للزواج والأسباب هي التي تحد نوع الزواج ، فيمكن نقول أنه زواج اجتماعي أو اتحاد رؤوس أموال، أو زواج عاطفي (الحب من أول نظرة) ...الخ
وبالتالي من الضروري أن نقترب من المفهوم المسيحي الكتابي،بعض الناس تتعامل مع الزواج باعتباره عقد يتم بين طرفين ومن هنا نفهم بأن العقد يقوم على مبدأ الشرط والالتزام به،وكل العقود مشروطة بين طرفي العقد وتحدد ببنود معينة وتُكتب هذه الشروط في العقد، كما نرى فكرة القيمة والشبكة وبنود أخرى تكتب، وبالتالي تستمر العلاقة التعاقدية بين الطرفين مادام بنود العقد سارية، وفي حالة الإخلال ببنود العقد يجوز لأي أحد من طرفي العقد طلب فسخ العقد منفرداً.
أما العهد فهو يقوم على مجموعة من الأسس الجوهرية ولكن الأهم فيها هو أن العهد غير مشروط وأيضا نجد فيه الاستمرارية و الإرادة الشخصية المطلقة في اتخاذ القرار وتحمل النتائج الخاصة به. وتأتي فكرة العهد من مفهوم مسيحي كامل ارتبط بما قدمه الرسول بولس في أفسس22:5-33 عن تشبيه محبة المسيح للكنيسة كتشبيه محبة الرجل لزوجته وكما أحب المسيح الكنيسة حب غير مشروط وغير مستند على الالتزام العام أو الخاص للكنيسة له، فقد أحبها قبل أن تقبل أن تغير نفسها قبل الارتباط به، وهو يدعونا إلى نوع من الحب غير المشروط ، فنحن نتعهد أمام الله للارتباط بشريك الحياة. فالعهد مع الله وأمامه والطرف المستفيد من العهد هو شريك حياتي،فكما أن المسيح تعهد بحب الكنيسة أمام الآب ووضع نفسه لها وصار الطرف المستفيد هو الكنيسة هكذا في الزواج المسيحي. وحتي ندرك معنى الالتزام علينا أن نعود إلى النموذج،فالتزام المسيح نحو الكنيسة التزام دائم وشامل وأبدي بكل ما تحمل هذه التعبيرات من أعماق وأبعاد، وهكذا الزواج المسيحي هو التزام الطرفين كل واحد تجاه الآخر ماداما على قيد الحياة ولكن للتوضيح نجد الالتزام الروحي فكل طرف مسئول على تطوير ودعم وتشجيع الآخر حتى ولو كان غير متجاوب مع هذه المحاولات بل مطالب أن يقف معه في أوقات الضعف والانكسار الروحي ويكن له المحبة وقت الانزلاق ويتفاعل معه في أوقات النصرة والرفعة الروحية، وليس هذا فقط بل هناك الالتزام الجسدي فكل شخص تعهد لله أن يعطي جسده للآخر وبالتالي لا يمتلكه وهنا نجد عمق رهيب أن لا يوجد مبرر لأي تصرف خارج الزواج حتى ولو كان الآخر مريض لأن العهد مع الله لصالح الشريك وبالتالي لا يحق فعل شي. يضاف لهذا، الالتزام المادي بمعنى أنا ملتزم بحياة الآخر ولا تكون المادة عائق للتواصل والاستمرار بل الشريك يكون مستعد بناء على العهد أن يتنازل عن ما يملك لأجل شريك الحياة، وكما تنازل المسيح عن الأمجاد التي فيها لأجل الكنيسة .. وكما أن الكنيسة تضحي لأجل الرسالة وتجوز في آلام كثيرة هكذا كل شريك تجاه الآخر.
وهنا نصل إلي مجموعة هامة من نتائج الالتزام بالعهد سواء على مستوى الحب بين الزوجيين ومدى خلق مناخ صحي للأولاد، والاستقرار النفسي الذي يخلق مجال للنجاح والتميز والتفوق. ولكن هناك أمر هام وهو أن العالم لن يفهم وحدة المسيح بالكنيسة إلا ا ذ رأى بيوت وأسر مسيحية تعيش النموذج الكتابي بصوره حقيقة أمامهم، فالبيت الذي يعيش مفهوم العهد في الزواج هو البيت الذي يستطيع أن يجسد محبة المسيح للعالم.
في ضوء ما سبق نكتشف أن العهد هو الالتزام غير المشروط بأي شيء إلا بالحياة نفسها و استمرارها، فهو يأخذ عهد على نفسه لله لصالح الشريك الذي سيكون معه ليكون له، وبالتالي لا انفصال ولا طلاق ولا فسخ للعهد