كنتُ في إحدى المقابر أودع صديقاً خرج من بوابة الحياة الأرضية ليدخل بوابة أخرى أفسح وأرحب، وجلت بنظري بين القبور، وقرأت على شواهدها عبارة تتكرر "هنا يرقد فلان الذي عاش من سنة كذا إلى سنة كذا"، فقفزت إلى ذهني ذكريات زيارتي إلى بستان جثيماني في مدينة القدس حيث وضع جسد المسيح بعد موته، كان القبر مفتوحاً، وقد كتبت فوقه هذه الكلمات "ليس هو هاهنا لكنه قام". كانت تلك كلمات ملاكين ظهرا لبعض النساء اللواتي حضرن إلى القبر لزيارته حاملات الحنوط الذي أعددنه، وقالا لهن "لماذا تطلبن الحي بين الأموات؟". فأخذت عندها أفكر فيه (في المسيح) وفي تميزه وتفرده، فقد قهر الموت الذي لم يتمكن من أن يمسك به، وأزاح باب القبر الذي لم يستطيع أن يحبسه، فمن هو هذا المسيح؟
ينفرد المسيح في أنه كان موضوع نبوات الأنبياء والرسل الذين سبقوه، أشار إليه الكل، وانتظره الكل لذلك كان مشتهى الأجيال. ولقد نقل إلينا الوحي الإلهي على فم النبي أشعياء إحدى أغرب النبوات عن المسيح قبل مولده بمئات السنين: تقول النبوة "لأنه يولد لنا ولد ونُعطى ابناً وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام". لقد تنبأ الأنبياء عن ولادته العجيبة وطبيعته السماوية الطاهرة وموته الفدائي عن العالم وقيامته، كان الوحيد الذي ولد بلا أب، وفى ذلك دلالات يجب ألا تفوتنا، قال "قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن". كان كلمة الله "والكلمة حل بيننا وصار بيننا (أي إنساناً)". ولد بقوة الروح القدس فلم يوجد فيه ميل للخطية، "فقالت مريم للملاك، كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً، فأجاب الملاك وقال لها "الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك، فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله". كان قدوساً باراً، لم يستطيع جمال الخطية المزيف أن يجره إلى أوحالها، فاستطاع أن يتحدى اليهود وكل من عرفه قائلاً: "من منكم يبكتني على خطية؟" وما زال هذا السؤال التحدي شامخاً حتى اليوم، وما زالت طبيعته المقدسة وحياته الطاهرة وسيرته النقية مصدر جذب الناس إليه، وليس من قبيل الصدفة أن الإنجيل المقدس يخلو من أي تلميح إلى اعتراف السيد المسيح بخطية أو طلبه المغفرة، دلت معجزاته أيضاً على طبيعته الخارقة وسلطانه الشخصي على قوانينها فكانت كلمة منه كفيلة بإعادة الحياة إلى الموتى، ولمسة منه قادرة على نقل شفائه للمرضى، وإشارة من إصبعه كافية لإخراس الأعاصير وإسكات الأمواج، وأمر منه فعالاً في طرد الشياطين، ولا يزال حتى الآن يقوم بالمعجزات، ظلت تعاليمه قمة ما عرفه البشر على مر العصور، وهى تعاليم تنسجم في طبيعتها وقداستها وسموها مع صفات الله الكاملة، كانت دعوة إلى السلام الحقيقي مع الله والإنسان، وإلى المحبة غير المشروطة القادرة على الامتداد حتى للأعداء، وإلى تسامح الأقوياء، قال "سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك، وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعدائكم باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات". كما أذهل الناس برفعة مستوى القداسة المقبول لدى الله فنقل مفهوم الخطية من الفعل الشرير إلى النية الشريرة التي هي أصله قال "قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل، ومن قتل يكون مستوجب الحكم وأما أنا فأقول لكم كل من يغضب على أخيه باطلاً يكون مستوجب الحكم " وقال "قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تزن وأما أنا فأقول لكم أن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه".
وقال "سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن فحّول له الآخر أيضاً". كما كانت تصريحاته عن نفسه غريبة مذهلة، قال "أنا هو الطريق والحق والحياة، من آمن بي ولو مات فسيحيا". وقال "أنا هو نور العالم". لقد تميزت كل جوانب حياته بالمعجزات الخارقة، ولقد كان موته نفسه تعبيراً عن محبته الغريبة الفائقة للبشر واستعداده لبذل نفسه من أجلهم، لكن قمة هذه الأمور الغريبة الخارقة كانت قيامته من بين الأموات، ولعله ليس غريباً على من قال "أنا هو القيامة والحياة" أن يؤكد سلطانه ويثبت كلامه بقيامته الفعلية الجيدة وما يزال قبره حتى الآن فاغراً فاه دهشة لتلك القوة العظيمة التي دحرجت عنه بابه. وقد أنهت القيامة رعب الإنسان المؤمن من الموت الذي لن يقدر أن يشله بعد الآن فيقول: "أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا هاوية؟ " لقد وضع المسيح لنا بقيامته رجاء أكيداً لقيامتنا نحن.
من بعض المقاطع في الكتاب المقدس والتي أساسها موضوع القيامة مكتوب في الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس 15: 13 "فإن لم تكن قيامة أموات فلا يكون المسيح قد قام، وإن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل أيضاً إيمانكم، ونوجد نحن أيضاً شهود زور لله لأننا شهدنا من جهة الله أنه أقام المسيح وهو لم يقمه إن كان الموتى لا يقومون، لأنه إن كان الموتى لا يقومون فلا يكون المسيح قد قام وإن لم يكن المسيح قد قام فباطل إيمانكم أنتم بعد في خطاياكم، إذاً الذين رقدوا في المسيح أيضاً هلكوا، إن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح فإننا أشقى جميع الناس ولكن الآن قد قام المسيح... لأنه كما في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع".