الروح القدس روح ناري، إن حلَّ في أحد يلتهب
الروح القدس هو روح الله. والكتاب يقول "إلهنا نار آكله" (عب12: 29) ( حز24: 17). وهكذا يكون الروح القدس روحاً نارياً، بكل ما تتميز به النار من حرارة ونور. ونقصد الحرارة الروحية والنور الروحى.
وعندما حل الروح القدس على التلاميذ القديسين، حل كألسنة من نار (أع 2: 3) .
وهذه النار ألهبت قلوبهم وأرواحهم. ألهبتهم للخدمة ومنحتهم قوة. وتحولوا جميعاً إلى شعلات من نار، انتشرت في العالم، فاشتعل العالم بنار الكرازة وبنورها... وكان الروح القدس يعمل فيهم، إذ "امتلأ الجميع من الروح القدس" (أع2: 4).
وكانت النار تعمل فيهم... لعلها النار التى قال عنها السيد الرب:
"جئت لألقى ناراً على الأرض... فماذا أريد لو اضطرمت" (لو12: 49).
كل من تدخل هذه المار إلى قلبه، يلتهب في الداخل، ويصبح حاراً في الروح (رو12: 11). هذا هو الروح النارى الذى اختبره التلاميذ في الخدمة، حينما تلامسوا مع النار وصاروا ناراً. اشتعلت فيهم نار الغيرة المقدسة، فلم يهدأوا مطلقاً حتى بنوا ملكوت الله في قوة عجيبة ونشاط لا يفتر. وعن مثل هذا قال القديس بولس:
" من يعثر وأنا لا ألتهب؟!" (2كو12: 29).
إنه إلتهاب بمحبة الله والناس بالروح القدس العامل فيه، الذى يلهبة بالغيرة الروحانية . فمحبة الإنسان لله تجعله يغار على ملكوت الله، ويلهب حماساً ونشاطاً من أجل خلاص نفس كل أحد. إنها نار مشتعلة في القلب والروح، إن حاول أحد إطفاءها، لا يستطيع.
هل أخذت هذه النار من الروح القدس؟...
هذه النار هي الدرس الذى نأخذه من يوم الخمسين.
ويقول المرتل أيضاً في المزمور " غيرة بيتك أكلتنى" (مز119)... داود النبى حينما اشتعلت فيه نار الغيرة المقدسة، لم يستطيع أن يصبر على تعيير جليات، وتقدم الصفوف وهو صبى صغير، ولكنه ملتهب بالروح. ولم يرجع إلا وقد أصمت صوت ذلك المعير (1صم17)... إن نار الروح إذا اشتعلت في القلب، لا يستطيع أحد اطفاءها.
وبهذه النار فإن القديس بطرس ويوحنا لما طلب منهما رؤساء اليهود أن لا ينطقا البتة ولا يعلما باسم الرب، قالا بكل قوة " نحن لا يمكننا أن لا نتكلم " (أع4: 18، 20)...
إن عدم الكلام عن المسيح أمر مستحيل لا نستطيعه... حقاً إنها نار.. الروح القدس يعمل كنار...
داود النبى، لما حل روح الرب، اشتعل قلبه بالنار. لذلك لما سمع جليات الجبار يعير صفوف الله الحى، تحرك الروح فيه. كان الكل يسمعون التعييرات وهم صامتون فلم يستطيع أن يصمت. وقرر أن يتدخل ويريح الشعب من تعبيرات جليات، وقد كان ... ولم يهدأ داود حتى اسكت صوت ذلك المعير... كانت غيرته النار أقوى من أن يحتملها...
وبطرس الرسول الذى كان خائفاً من قبل، لما حل عليه روح الرب، أزال منه الخوف ، فملأ الدنيا تبشيراً، ولم يستطيع أن يصمت. وقال لرؤساء كهنة اليهود "نحن لا نستطيع أن لا نتكلم" (أع4: 20). لقد ألقوا بطرس في السجن، وهددوه وأهانوه... ولكنه احتمل ولم يستطيع أن يصمت...
كانت كنيسة الرسل كنيسة نارية ملتهبة بالروح...
كانت قوية، كانت كنيسة الألسنة النارية والكلمة الملتهبة التى قال عنها الرسول "كلمة الله حية وفعالة، وامضى من كل سيف ذى حدين، وخارقة إلى مفرق النفس والروح" (عب4: 12). ذلك لأنها كانت كلمة صادرة من اللسان النارى، الملتهب بالروح منذ يوم الخمسين. هناك إنسان يكلمك كلاماً كثيراً لا يحدث فيك أثراً ...
بينما إنسان روحى يقول لك كلمة روحية تظل تدوي في البيت، وفي مكان العمل وفي مكان العمل وفي الطريق، وفى قيامك وتعودك، وفى دانا قليل الاداب يا مستر اطردنىك وخروجك. وتحفر آثاراً عميقة في قلبك، وتعمل فيك عملاً. إنها كلمة نارية.
بولس الرسول وهو أسير تكلم عن البر والتعفف والدينونة: فارتعب فيلكس الوالى من كلمة هذا الأسير (أع24: 25).
كانت كلمة نارية، صادرة من عمل الروح النارى
نلاحظ أيضاً أن كلام الله كان يشبة بالنار، بما يحدثه من حماس في القلب والإرادة:
ولذلك قال الرب لأرمياء النبى "هأنذا جاعل كلامى في قلبك ناراً" (أر5: 14) . وقال له أيضاً "أليست هكذا كلمتى كنار يقول الرب" (ار23: 29). وفي وقت من الأوقات، تعب أرميا من كلمة الرب، التى كان يوبخ بها الناس، فيستهزئون به ويثورون عليه عن الرب " قلت لا أذكره ولا أنطق بعد بإسمه، فكان في قلبى كنار محصورة في عظامى، فمللت من الإمساك ولم استطيع" (أر20: 9).
حقاً إن كلمة الرب نار تلهب القلب، فيشعر أنه مشتعل من الداخل، ويقول "غيرة بيتك أكلتنى" (مز69: 9). لأن الغيرة نار، مادام روح الله يدفعها...
هذا إذا أخذ إنسان الروح الذى في الكلمة، والروح يشبه بالنار. وهكذا لم يستطيع ارمياء أن يصمت، على الرغم من الضيقات التى صادفها.