--------------------------------------------------------------------------------
أصدقاء اخر الزمان
من كتاب
المتنيح القس يسطس فؤاد
================
قالت:
ما الذي يكشف معادن الأصدقاء؟
قلت:
eأن أعرف صديقي في وقت محنتي .
eأن أجده بجواري في ساعة حزني .
eأن أشعر بيده تمتد وتنتشلنيمن دوامة سقوطي .
eحين تظلّم الدنيا وتغلق أبوابها .. أجده أمامي مُمسكًا بشمعة صغيرة .. يُحاول أن يفتح أبواب سجني المُغلقة .
معدن نقي
الصداقة معدن نقي نختبر صلابته في ساعات الشدة .. فقد تجد حولك آلاف الأصدقاء إذا أقمت لهم حفلاً، ولكنك قد لا تجد شخصًا واحدًا منهم إذا واجهتك مشكلة!
هناك أشخاص يعرفوك ويتقربون إليك مادمت واقفًا على قدميك .. حتى إذا سقطت انفضوا من حولك! وربما ألقوا عليك الحجارة .
أما الأصدقاء فقد لا تراهم في أوقات سعادتك ..
ولكنك تجدهم حولك في ساعة محنتك .
وأنا أحزن كثيرًا كلما ضاع مني صديق .. وأشعر بأن خسارة المال تعوّض ولكن خسارة الناس لا تعوّض .. فقد تخسر مالاً وتعوّضه، ولكن خسارة الصديق لا تعوّض .
قالت:
eكيف أختبر أصدقائي؟
eإنني أحيانًا أجد حولي مهرجانًا من البشر والكل يدَّعي أنه صديق .. فكيف أعرف مَنْ يخدعني ومَنْ يُحبني؟
قلت:
ليست هناك وسائل محددة لكشف زيف الصداقات .. خاصة أن الأقنعة أصبحت كثيرة، والأدوار متشابهة، والناس يجيدون التمثيل .. ولهذا فأنا أجلس عادة في الصف الأخير لكي أشاهد المسرح .. والكل يؤدي دوره، وأنتظر لكي أرى نهاية الرواية .
وعادةً ..
eأجد أن ما بقي بين يدي من الأصدقاء أقل مما تصورت .
eوأحزن كثيرًا كلما خانني أو تخلى عني صديق .
عمل اختياري
الصداقة مثل الحب عمل اختياري .. لا أنا فرضت عليه صداقتي، ولا هو أجبرني على أن أكون صديقًا له .
ليس في الصداقة اتفاق مُسبق، ولكن هناك اختيار قد تحكُمه الصداقة أو العقل .
اقتحام لأيامنا
الصداقة مثل الحب تقتحم أيامنا .. وقد يخدعك صديق ما يقرُب نصف عمرك، وتكتشف أنه لم تكن أكثر من أكاذيبه الكثيرة، وأن لغة المصالح هي التي ربطت بينكما .. وعندما سقطت هذه المصالح سقطت معها آخر أركان الصداقة .
قالت:
كيف أختار أصدقائي؟
قلت:
eنحن نعيش الآن صداقات آخر الزمااان .. ولهذا مطلوب أن تبحثي بين عشرات الأكوام من الأوراق المالية المُزيفة عن ورقة واحدة صحيحة!
eمطلوب ألاَّ تحاولي أن تقطفي الزهرة الجميلة لأن وراء عطرها ثُعبانًا كبيرًا .
eمطلوب ألاَّ تتركي خزائن أسرارك بين أيدي صديق قد يبيعك في أول مزاد، وقد يعرض أسرارك في أول بوتيك يلتقي فيه مع رفاق السوء، وما أكثر المذابح التي يتعرّض لها الناس في جلسات الأصدقاء يُستباح فيها العمر والسمعة والقيمة، وفي كل ليلة ضحية جديدة تتسلل في أعماقها الخناجر .. والكل يتحدث باسم الصداقة!
إحساس عميق في داخلنا
الصداقة إحساس عميق في داخلنا .. الصداقة ليست مجرد أجندة تليفونات تجمع مئات الأرقام، وعشرات العناوين، وآلاف المصالح!
قد لا تجد في أجندة تليفونك اسمًا واحدًا تأتمنه على لحظة صِدق أو سر من أسرارك .. فلابد أن يكون الإنسان حريصًا في اختيار أصدقائه .. خاصةً في زماننا الغريب الذي يبيع كل الأشياء، ويمتهن كل المشاعر، ويستبيح كل القيم .. وليس معنى ذلك أن كل الصداقات سقطت، وكل الأصدقاء باعوا! ولكن أعدادهم صارت قليلة .
فما أكثر الناس من حولك، وما أقل الأصدقاء ..
الأصدقاء فعلاً!
أشعر بوحدة شديدة كلما سقط مني صديق .
تزداد برودة الأيام .. ويزداد صقيع العمر .
تكسو تلال الجلود مساحة كبيرة في أعماقي ..
وكلما كفنت صديقًا في قلبي ..
تمنيت لو أعدت له الحياة ..
لو وجدته فجأة يستعيد نبضه وينهض واقفًا .
فخسارة الصديق هي خسارة العمر ..
والعمر لا يرجع للوراء .
ربنا يبارك حياتكم ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين .